ثمن الإستقرار

أثبت تراكمات العمليات الإنتقالية الكبرى التي عرفها العالم , أن الديمقراطية والنمو لا يتحققان بصورة متطابقة في جميع مراحل الإنتقال , وكما أن الديمقراطية لا تعني بصورة مباشرة وفي الأمد القصير الرفاهية وإرتفاع مستوى العيش , فإن النمو والرفاهية يمكن أن يتحققا في دول نصف ديمقراطية أو تعرف حكما مطلقا , لكن الديمقراطية تضمن الإستقرار ولو مع الفقر , والفقر لا يعني التفاوتات الإجتماعية والمجالية الصارخة , والأكيد أن الديمقراطية على المدى المتوسط والبعيد تخلق الشروط المثالية للنمو وللعدالة الإجتماعية , ومن تم كانت تلك الصورة الجميلة للديمقراطية وكانت طموح العديد من الشعوب في مختلف مراحل التاريخ.
اليوم في بلادنا هناك وجوه متعددة للأزمة , لكن من غير المقبول أن ترفع في وجه من لم يتقاسم ثمار النمو السابقة , فالقاعدة العريضة من السيعب كانت بإستمرار على هامش النمو . وليس مقبولا اليوم أن تكون أول من يؤدي ضريبة الأزمة , هذه الأزمة تحمل وجهين , الأول بنيوي لا علاقة له بتأثيرات الأزمة الإقتصادية والمالية العالمية , والثاني يعتبر رجع الصدى للأزمة الدولية القائمة في حدود موقع المغرب في بلدان المحيط والتي لم تستفد من ثمار عولمة الإقتصاد العالمي لسنوات , فاليوم يعيش المغرب تحديات يجب تحويلها بذكاء إلى فرص , وأول التحديات المطروحة والتي سيكون لها تأثير كبير في المستقبل هو الإكتفاء الذاتي على مستوى الغذاء وهذا إختيار إستراتيجي ذو طبيعة سياسية وأمنية شديدة التعقيد , إذ بالرغم من كل الإصلاحات السياسية التي يمكن أن تحققها بلادنا , فإنها لن تضمن الإستقرار اللازم إذا ما ترافقت مع إستنزاف القدرة الشرائية للمواطنين و رهن البلد للبورصات العالمية ولحالة الطقس في البلدان المنتجة للمواد الغذائية الرئيسية , خاصة وأن هذه البلدان نفسها بدأن في إتخاذ قرارات سيادية تخص الحد من التصدير إستجابة لضغوطات محلية , فالمواطنون في النهاية لا يتغذةن على الدساتير والقوانين المرافقة لها..
التحدي الثاني المطروح على المغرب يرتبط بإختيار التصنيع , فكل الدول الصاعدة اليوم سواء تركيا أو البرازيل وقبلهما الصين الشعبية , لم تستطع تحقيق معدلات عالية للنمو سوى عبر إعتماد التصنيع , وهي عملية مكنت من تقليص العجز التجاري وإعادة التوازن لميزان الأداءات والأهم من ذلك تقليص معدلات البطالة إلى مستويات الحد الأدنى , بشكل ساعد عمليا في تحقيق إستقرار دافع للنمو وجالب لإستثمارات نوعية تخص التكنلوجيات الحديثة , أما الإستمرار في برامج الرهان على قطاع الخدمات المرتكز في جزء منه على الإقتصاد الريعي كمنتوجات السياحة التقليدية المرتكزة على الشمس والبحر والرمال , أو قطاع الإتصالات الذي يخلق فقاعات إقتصادية ومالية بدون تأثير عميق على الإقتصاد الكلي , أو الفلاحة المعاشية التي لا تستطيع تلبية الحاجيات الأساسية للغذاء مع إستعمال مفرط للإحتياطات الإستراتيجية للماء في زراعات أغلبها موجه للتصدير.
الإستقرار اليوم مهما كلف من ثمن فإنه لا يوازي الثمن الذي قدمته دول أخرى من إنهيار أنظمة والدخول في حالة عدم إستقرار عالي المخاطر , والإعتقاد بأن الطبقات الإجتماعية المقهورة أصلا ستكون صالحة لدفع ثمن الأزمة , يعد خطأ قاتلا وإنتحارا بطيئا , وإن إستمرار النظر إلى التكلفة المالية من منظور محاسباتي تقني لوحده وتغييب الجوانب السياسية والإجتماعية, يعتبر خطئا فادحا ستكون له تبعات غير محمودة العواقب , فبلادنا اليوم بحاجة إلى دينماية جديدة تقطع مع البيروقراطية التي لا زالت سائدة خاصة على مستوى الإدارة الترابية , حيث العديد من ملفات الإستثمار معلقة على الروتين الإداري وغياب السيعور بالمسؤولية لدى بعض العمال والولاة , إضافة إلى ملفات أخرى من أبرزها وضعية العقار في المغرب والإستثمار في التعليم الذي يواجه بكل حملات التشكيك مما يحرم بلادنا من تحقيق مستويات تساعده في تحسين المؤشرات المعتمدة على المستوى الدولي في توجيه الإستثمارات.